فصل: 195- باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض، وبيان أقلها وأكملها وما بينهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.194- باب فضل الصف الأول، والأمر بإتمام الصفوف الأُوَل وتسويتها والتراصّ فِيهَا:

1082- عن جابر بن سَمُرَة رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقال: «ألا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ المَلائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟» فَقُلنَا: يَا رَسُول اللهِ، وَكَيفَ تُصَفُّ المَلائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ في الصَّفِّ». رواه مسلم.
الصفُّ الأول: هو الذي يلي الإِمام، وفي المسجد الحرام من بحاشية محل الطواف، دون من تقدم عليه إلى الكعبة في غير جهة الإمام.
قوله: «يتمون الصفوف الأُوَل»، أي: لا يشرعون في صف حتى يُكمل ما قبله.
1083- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلا أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا». متفقٌ عَلَيهِ.
في هذا الحديث: عِظَمُ ثواب الأذان، وثواب الصف الأول.
1084- وعنه قَالَ: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «خيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أوَّلُهَا». رواه مسلم.
«خير صفوف الرجال أولها»: لسبقهم إلى الفضيلة، «وشرها آخرها»: لتأخرهم. و«خير صفوف النساء آخرها»: لبعدهن عن الرجال، و«شرها أولها»: لقربهن من الفتنة.
1085- وعن أبي سعيد الخدرِيِّ رضي الله عنه أنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم رأى في أصْحَابِهِ تَأَخُّرًا، فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا فَأتَمُّوا بِي، وَلْيَأتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ، لا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ الله». رواه مسلم.
في هذا الحديث: الحثُّ على التسابق إلى الطاعة، وإلى معالي الأمور والأخلاق، والزجر عن الميل إلى الدعة والرفاهية، والتأخر عن الطاعات.
1086- وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا في الصَّلاَةِ، وَيَقُولُ: «اسْتَووا ولا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الأحْلاَمِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». رواه مسلم.
الأحلام: جمع حِلْم، وهو: الأناة والتثبت. والنُّهى: العقول.
1087- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ؛ فَإنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ». متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية للبخاري: «فَإنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلاَةِ».
قال البخاري: بابٌ إقامةُ الصف من تمام الصلاة، وذكر حديث أبي هريرة: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه وأقيموا الصف في الصلاة، فإنَّ إقامة الصف من أحسن الصلاة»، ثم ذكر حديث أنس.
وفيه: دليلٌ على وجوب تسوية الصفوف.
1088- وعنه قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا؛ فَإنِّي أرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي». رواه البُخَارِيُّ بلفظه، ومسلم بمعناه.
وفي رواية للبخاري: وَكَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ.
لفظ مسلم: «أتموا الصفوف فإني أراكم من وراء ظهري».
قال الشارح: ولا ينافي هذا الحديثُ حديثَ: «لا أعلم ما وراء جداري» لأن هذا خاص بحالة الصلاة، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حصل له فيها قرة العين بما أفيض عليه فيها من غايات القرب المختص بها التي لا يوازيه فيها غيره، صار بدنه الشريف كالمرآة الصافية التي لا تحجب ما وراءها.
1089- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قَالَ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ». متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: أنَّ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا، حَتَّى كَأنَّمَا يُسَوِّي بِهَا القِدَاحَ حَتَّى رَأى أنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَومًا فَقَامَ حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ، فَرَأى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: «عِبَادَ اللهِ، لتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أو لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».
القِدْح: السهم قبل أن يراش وينصل. والقداح: جمع قدح، وهي خشب السهام حين تبرى وتنحت وتهيأ للرمي، وهي مما يطلب فيها التحرير وإلا كان السهم طائشًا.
وفي الحديث: دليل على وجوب تسوية الصفوف، وعلى جواز كلام الإمام فيما بين الإقامة والصلاة لما يعرض من الحاجة.
وفيه: مراعاة الإمام لرعيته والشفقة عليهم، وتحذيرهم من المخالفة.
قوله: «أو ليخالفن الله بين وجوهكم»، أي: يوقع بينكم العداوة والبغضاء، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن؛ لأن تقدم الشخص على غيره مظنة الكبر المفسد للقلب، الداعي إلى القطيعة.
1090- وعن البراءِ بن عازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إلى نَاحِيَةٍ، يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا، وَيَقُولُ: «لا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ». وكانَ يَقُولُ: «إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الأُوَلِ». رواه أبُو دَاوُدَ بإسناد حسن.
1091- وعن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أقيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ المَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينوا بِأيْدِي إخْوانِكُمْ، ولا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ للشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ». رواه أبُو دَاوُدَ بإسناد صحيح.
في هذا الحديث: الحث على وصل الصفوف وتكميلها، والزجر عن قطعها.
قوله: «ولينوا بأيدي إخوانكم»، أي: إذا قدموكم أو أخروكم حتى يستوي الصف.
1092- وعن أنس رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالأعْنَاقِ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ، كَأَنَّهَا الحَذَفُ». حديث صحيح رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسنادٍ عَلَى شرط مسلم.
«الحَذَفُ» بحاء مهملةٍ وذالٍ معجمة مفتوحتين ثُمَّ فاء وهي: غَنَمٌ سُودٌ صِغَارٌ تَكُونُ بِاليَمَنِ.
نبه صلى الله عليه وسلم بهذا االقسم العظيم على تأكيد التراص بين الصفوف، والتقارب لعظم فائدتهما، وهي منع دخول الشيطان بينهم، المستلزم لتسلطه وإغوائه، ووسوسته، حتى يفسد عليهم صلاتهم، وخشوعهم الذي هو روح الصلاة.
1093- وعنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أتِمُّوا الصَّفَّ المُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ في الصَّفِّ المُؤَخَّرِ». رواه أبُو دَاوُدَ بإسناد حسن.
في هذا الحديث: الحث على إتمام الصفوف الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ.
1094- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنها، قالت: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ». رواه أبُو دَاوُدَ بإسنادٍ عَلَى شرط مسلم، وفيه رجل مُخْتَلَفٌ في تَوثِيقِهِ.
في هذا الحديث: فضل الوقوف في ميمنة الإمام.
قال البخاري: باب ميمنة المسجد والإمام وذكر حديث ابن عباس رضي لله عنهما، قال: «قمت ليلة أصلي عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدي حتى أقامني عن يمينه».
قال الحافظ: وكأنه أشار إلى ما أخرجه النِّسائي بإسناد صحيح، عن البراء قال: «كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه».
ولأبي داود بإسناد حسن عن عائشة مرفوعًا: «إن الله وملائكته يصلون على ميامين الصفوف». انتهى.
ومحل ذلك إذا لم تتعطل ميسرة الإمام، وإلا فتوسيط الإمام أفضل كما في الحديث الآخر: «وسطوا الإِمام وسُدُّا الخلل».
1095- وعن البراء رضي الله عنه قال: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم أحْبَبْنَا أنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «رَبِّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ- أو تَجْمَعُ- عِبَادَكَ». رواه مسلم.
لا مخالفة بين هذا الحديث وحديث ابن ماجة: «من عمَّر ميسرة المسجد كُتب له كفلان من الأجر»، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما حثَّ على التيامن تعطلت الميسرة فقال ذلك.
1096- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «وَسِّطُوا الإمَامَ، وَسُدُّوا الخَلَلَ». رواه أبُو دَاوُد.
في هذا الحديث: الأمرُ بتوسيط الإِمام قدّام الصف، وسدّ فُرَجِهِ.

.195- باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض، وبيان أقلها وأكملها وما بينهما:

1097- عن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَةَ رملة بِنْتِ أبي سُفْيَانَ رَضِيَ للهُ عَنهما، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ تَعَالى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيرَ الفَرِيضَةِ، إلا بَنَى الله لَهُ بَيْتًا في الجَنَّةِ، أو إلا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ». رواه مسلم.
في هذا الحديث: الحث على صلاة التطوع، والمواظبة على هذا العدد المذكور كل يوم.
1098- وعن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتْينِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ العِشَاءِ. متفقٌ عَلَيهِ.
سكت عن ركعتي الصبح لما جاء عنه في الصحيح. وحدثتني حفصة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر»، فالسنن المؤكدة عشر.
وفي رواية: فأما المغرب والعشاء والفجر والجمعة ففي بيته.
قال الحافظ: والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالبًا، وبالليل يكون في بيته غالبًا.
قال ابن دقيق العيد: وفي تقديم السنن على الفرائض وتأخيرها عنها معنى لطيف مناسب: أما في التقديم؛ فلأن الإنسان يشتغل بأمور الدنيا وأسبابها، فتتكيف النفس في ذلك بحال عديدة عن حضور القلب في العبادة والخشوع فيها الذي هو روحها، فإذا قدمت السنن على الفريضة تأنَّست النفس بالعبادة، وتكيفت بحالة القرب من الخشوع، فيدخل في الفرائض على حالة حسنة. وأما السنن المتأخرة، فلما ورد أن النوافل جابرة لنقصان الفرائض.
1099- وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كل أذانين صلاة». قال في الثَّالِثةِ: «لِمَنْ شَاءَ». متفقٌ عَلَيهِ.
المُرَادُ بِالأَذَانيْنِ: الأذَانُ وَالإقَامَةُ.
في هذا الحديث: استحباب الصلاة بين الأذان والإقامة، وهذا عام مخصوص، فإن الوقت الذي بعد طلوع الفجر لا يصلى فيه إلا راتبة الفجر أو تحية المسجد.